اهتمت كتب البلاغة العربية الحديثة - في الغالب - بتقسيمات البلاغة المتعددة، وانحصر الدرس البلاغي - إلى حد ما - في حدود هذه التقسيمات والفروع، والتي يتصورها البعض بدهيات ولدت البلاغة مصورة بها...,إلاّ أن البلاغة لم تكن كذلك، بل جاءت عبر مراحل مترابطة كثيرة، وكانت قبل أنْ تسيطر عليها تلك التقسيمات حرة طليقة تشرق مباحثها بروح الاعتماد على الذوق وحسن الإدراك، وقد كان لعلماء السلف اصالتهم في التأليف ومنهجهم الخاص في البحث، وكانت لهم جهود مخلصة واعمال جادة في خدمة لغة القرآن الكريم ماتزال اثارهم شاهدة عليها، وحريٌّ بنا أنْ نتناول آثارهم بدراسات واعية نقف من خلالها على الأصول التي أقاموا عليها عملهم العلمي، منتفعين من عناصر القوة والاصالة في ذلك التراث، والتي تنبثق - بلاريب- من تناولهم للقرآن الكريم، كتاب اللــه الخالد، ومعجزته الباقية الدائمة التي تحدى بها الخلق جميعا لاسيما العرب، أهل الفصاحة والبيان، فعجزوا، بل سجد بعضهم - على كفره -لبلاغة القرآن الكريم.