خلق الله البشر وخلق معهم الخير والشر، وظهر الصراع بينهما منذ خَلْق آدم وعصيان إبليس. والإنسان الطبيعي يميز الخير من الشر بالفطرة ثم بالتعلم والخبرة، وهو -منذ أقدم العهود التاريخية- قد أدرك أن مصلحته واستقراره يكونان بتعاونه مع الآخرين، ولا يتم التعاون إلا بالتعامل الجيد والعلاقات الحسنة؛ أي التحلي بالأخلاق الكريمة وهي التي تمثل الخير، في حين يولد الحقد والضغينة والغش والكذب وغيرها من المفاسد الشر، ولا ينجم عنه إلا الخراب.,فبين أيدينا الأوامر والنواهي الإلهية، والقوانين والأنظمة الوضعية التي يعود تاريخ أقدمها إلى الألف الثانية قبل الميلاد، وهي تقنن طرق الحياة، وتحض على فعل ما تعده خيرًا، وتحدد عقوبات التجاوزات وما تعده شرًّا، وهي حتمًا ليست أول ما وضع الإنسان في هذا السبيل، بل هي ما وصل إلينا مما وضع، وهناك قبلها الكثير مما قد تكشفه الأيام؛ ويعني هذا أن الإنسان الأول لم يقصر في السعي للحد من المفاسد، ومن واجبنا ألا نكون أقل منه شأنًا في هذا المضمار. وإذا كان الوصول إلى المجتمع المثالي مستحيلًا، فلا أقل من السعي إلى الحد من التدهور، والإقلال من المفاسد تدريجيًّا لبلوغ أدنى درجة ممكنة منها، وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه.,إن أعمال الإنسان تدور -بحسب الدين الإسلامي- حول محور قطباه جلب المصالح ودرء المفاسد، وهو المحور المنطقي الذي لو سلكه الناس لاستراحوا وأراحوا. ولسلوكه لا بد من معرفة كل من هذين القطبين: المصلحة وفيها الخير، والمفسدة وفيها الشر، ومتى عرفا سهل على الناس سلوك الطريق المستقيم دون إزعاج ولا انزعاج.,ويرى الفيلسوف اليوناني أفلاطون «أن مصدر ما نتورط فيه من الرذائل والآثام، إنما هو الجهل بالخير والقصور عن إدراكه، فإذا زال هذا الجهل، وأتيحت لنا القوة التي تمكننا من إدراك الخير ومشاهدته فنحن بمأمن من الرذائل والآثام».