تشكل المدن ظاهرة جغرافية كبرى على سطح الكرة الأرضية، يسكنها معظم سكان العالم، ويهتم بها الكثير من المتخصصين في الميادين والمجالات المختلفة من الاقتصاد والاجتماع والسياسة والإدارة والصحة والتاريخ والجغرافيا. بالإضافة لذلك، تشكل المدن مراكز قوى اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية كبيرة، وتعاني وسكانها من العديد من المشكلات التي استقطبت جهود الباحثين والدارسين من الميادين المختلفة للتصدي لها ومحاولة وضع الحلول لها.

وتهتم جغرافية المدن كغيرها من فروع الجغرافية البشرية بالاختلافات والتباينات المحلية ضمن إطار عام، بمعنى أنها تهتم بفهم تفرد المدن وما ينتظم داخلها من ترتيبات وتنظيمات للخصائص الاقتصادية والاجتماعية وخصائص السكن من خلال العلاقات المكانية بين السكان من جهة وبيئاتهم الجغرافية من جهة أخرى، بحيث تشمل البيئة الجوانب الطبيعية والبشرية، كما تشمل الجوانب البشرية البيئة المبنية أو المطورة من مساكن ومصانع ومكاتب ومدارس وطرق، والمؤسسات الاقتصادية وبنية الحياة الاقتصادية وتنظيماتها، بالإضافة للبيئة الاجتماعية، مثل معايير السلوك والاتجاهات الاجتماعية والقيم الثقافية التي تساهم في تشكيل العلاقات الشخصية.

هذا، وقد تغيرت الاهتمامات الأساسية في جغرافية المدن، بحيث أصبح يتم التركيز على العلاقات الأفقية بين الإنسان وأخيه الإنسان، بدلًا من العلاقة الرأسية التقليدية في الجغرافية، بين البيئة الطبيعية من الأسفل والبيئة البشرية من الأعلى، وأخذ يتركز الاهتمام على العمليات التي تكمن خلف التنظيم المكاني للظواهر الجغرافية، وعلى عمليات اتخاذ القرار والاهتمام بسلوك الأفراد.