لقد أضاءت بعض الدراسات جوانب مهمة في حياة السياب، كما تناولت بعض الظواهر الفنية في شعره من خلال تحليل بعض النماذج من شعره، غير أننا لا نجد دراسة واحدة منها تدرس شعر السياب وفق المنهج الأسلوبي.

ولقد جاء هذا البحث ليسد هذه الثغرة، حيث اتخذ من الأسلوبية مسبارًا نقديًّا يتذوق به جمالية النص الشعري السيابي، وهو منهج يعيد اللحمة بين النقد والأدب من جهة، واللغة والبلاغة من جهة أخرى على اعتبار أنهما متكاملان لا متوازيان، يكمل أحدهما الآخر ويستمد منه حياته، بعد فصل طويل بينهما، حوَّل النقد والبلاغة إلى مجرد قواعد صماء خالية من المضمون الجمالي في أحيان كثيرة.

ويفيد المنهج الأسلوبي من الدرس اللساني الحديث بمستوياته التحليلية المختلفة: الصوتية والصرفية والتركيبية (النظمية) والمعجمية والدلالية والبيانية. ويتعامل مع النص الشعري باعتباره بنية متكاملة تتآلف فيها عناصر النص وبناه الجزئية. ويتجه البحث الأسلوبي إلى كشف العلاقات الجديدة التي يؤسسها الشاعر بين عناصر البنية لإنشاء قيم دلالية وإيحائية وجمالية مبتكرة يتجاوز بها السائد والمألوف؛ إذ تشكل المعايير اللغوية العامة الخلفية اللغوية للنص، وهي الخلفية التي ينزاح عنها الشاعر في مواضع مختلفة انزياحًا مقصودًا يفضي إلى أساليب رمزية ومجازية واستعارية متنوعة يحقق بها دلالات وقيمًا فنية جمالية جديدة. وفي المقابل يعمد إلى خلق تناظر لغوي لا نجده في مألوف الكلام العادي، وهو تناظر يسهم في إضاءة التجربة من جهة وفي إيقاع النص الداخلي من جهة أخرى.

ومن خلال النظر الأسلوبي يمكن الكشف عن معجم الشاعر الدلالي، وتسهم كذلك في خلق علاقات نظامية جديدة بين المفردات، فضلًا عن دخولها في علاقات تقابلية جديدة تكشف بدورها عن عنصر الصراع الذي يضيف حيوية إلى النص والتجربة، ومن خلال ذلك كله تبرز القيم الأسلوبية الخاصة التي يمتاز بها الشاعر عن غيره وتجسد طبيعة تجربته الشعرية.