إذا كان كل قرن عرف بقضية من القضايا التي شغلت بال أهله، فإن هذا القرن الذي يطالعنا في الألفية الثالثة، ستكون قضيته بامتياز البيئة وسبل حمايتها من التدهور الذي هي آيلة إليه والمصير المظلم الذي تشيع إليه. هذا الاهتمام المتزايد والذي لم يسبق له نظير، مرده إلى فداحة الخطب وادلهمام الخطر، الذي بات يهدد الجميع، فبات الجميع موقن بوقوعه لا محالة، إن لم يكفّ الإنسان عن طيشه وتهوره في التمرد على سنن الله المبثوثة في الكون، وإرهاقه كاهل الطبيعة بالاستغلال الفاحش لمواردها، والاستنزاف المفرط والقاسي لخيراتها، ومقابلة الإحسان بالإساءة، بتكثير مساعي الإفساد، وبث نوازع الدمار والخراب في معاملة عناصرها المسالمة والمسخرة طوعا لهذا الإنسان.

فجاءت صرخة البيئة مدوية في الآفاق، معلنة النفير والتكتل الجماعي، ولا عذر لمن تثاقل، قصد تدارك الموقف وتأمين الحياة من ضربات موجعة، تفوق بكثير الطعنات التي صوبتها أيدي الإفساد إلى عناصرها ومكوناتها عمدا وعن غير عمد.

فصارت قضايا البيئة تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار وتدرج ضمن جداول أعمال الكثير من الندوات والمؤتمرات، وتستقل بدواوين ووزارات وترصد لها اعتمادات في ميزانية أغلب الحكومات، وإن هذا لعملٌ لمحمود ولجهد طيب، أجدر أن ينمى ويزكى، هذا إذا نظرنا بعين الفأل، وإحسان الظن، أما وإن قاربنا النتائج وعاينا الآثار، فنجد ارتفاع درجة حرارة الأرض في ارتفاع مهول، وزحف التصحر وتعاقب الجفاف في ازدياد مستمر، وندرة الموارد وتناقصها بشكل دائم، عاما بعد عام، ليدفعنا أن نعتبر ذلك الاهتمام من قبيل التضخيم الإعلامي والاستهلاك الدولي تغطية على الجرائم المرتكبة في حق البيئة، واسترزاق الكثير من المنظمات بدعاياتها.

ومن هذا المنطلق يأتي هذا البحث بعجره وبجره، في محاولة متواضعة، لعله ينسبك في سلك المحاولات الجادة التي تنادي على هذه الأمة التي تربو على المليار ونصف المليار، أن تأخذ زمام المبادرة، باعتبارها صاحبة الرسالة، وعليها تقع مسؤولية الإصلاح، ومصير البشرية يتوقف على مدى قيامها بالتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعلها كذلك أن تتنكب الإمعية وتسلك بهذه البشرية مسالك الخير، ولكم يحزن أن تعقد المؤتمرات بدافع الإصلاح ممن هم يعيثون في البيئة فسادا ويخرجون بتوصيات في غياب للرؤى الإسلامية ذات المصداقية والمنبثقة من مبادئ سامية بعيدة عن البهرجة والتضليل والملامسة للواقع المعيش العملي وبعيدة عن تسييس القضايا ومقايضة المواقف.