إن التطور الحاصل في مجال الإدارة الاستراتيجية لا ينفصل عن التطور الحاصل في الفكر الإداري بشكل عام، فمنذ الأفكار الأولى للممارسات الإدارية العلمية والمنهجية، وحتى الوقت الأخير في التطوّر ظهرت فلسفات عديدة ونماذج وطرق وأساليب متعددة شكّلت رصيدًا معرفيًّا متراكمًا يمثّل خزينًا يستخدمه المديرون في إدارة منظماتهم والارتقاء بأدائها.

كما أن النماذج والأساليب والطرق المرادفة للبناء الفكري والفلسفي للإدارة الاستراتيجية مثّلت هي الأخرى نقلة كبيرة باتجاه الاستفادة من معطيات التطور الحاصل في العلوم المختلفة، وخاصة ذات العلاقة بالفكر الاستراتيجي.

ولقد أعطت الإدارة الاستراتيجية إجابات منهجية علمية وعملية على كثير مما كان يُطرح بالفكر الإداري على أنه تناقض أو تعارض في الأساليب والإجراءات الإدارية المستخدمة. ففي إطار نهج الإدارة الاستراتيجية لا يوجد تناقض وتعارض بين العالمية والمحلية في التركيز على الأسواق والمستهلكين، وكذلك بين المعايير النوعية والكمية المتداخلة، وبين المركزية واللامركزية، وكذلك بين التنظيم الرسمي وغير الرسمي، وبين الفاعلية الاقتصادية والفاعلية الاجتماعية، وغيرها من الأساليب الإدارية.

إن المساهمات الأساسية للإدارة الاستراتيجية في الفكر الإداري والتنظيمي تتمثّل بقدرتها على إعطاء مدى واسع ومنفتح في تكوين البصيرة، والقدرة على التفكير الاستراتيجي الخلاق والمبدع، وكذلك رفد الفكر الإداري بوسائل تحليل جديدة، ومناهج تركيب الأجزاء لرؤية الصورة الكلية للعمل، فلا وجود للحلول الجاهزة والوصفات العامة لمعالجة المشكلات الاستراتيجية المطروحة، إنها تفتح الآفاق لإيجاد حلول إبداعية جديدة ومبتكرة يتم تصور المستقبل من خلالها بتداخل زمني مع الحاضر وفهم جديد للماضي، وهذا الأمر يتيح للمنظمة من أن تستمر وتنمو وتتطور.