لقد نبهنا الله سبحانه إلى ما في الأرض من آيات، دعانا إلى التأمل في النفس ولم يدعنا إلى النظر إلى النفس الإنسانية؛ أي التفكّر في أعماقها، لا في ظاهرها أو سطوحها. فهي دعوة إلى تأمل آيات خلق النفس، التي هي نفس كل منّا، لأنها وإن كانت أقرب الأشياء إلينا، إلا أنها في الأغلب، أبعد الأشياء عن نظرنا وتأملنا، على شدة حاجتنا إلى هذا النظر. فالقلّة من البشر هم الذين يتأملون في أنفسهم، بالمعنى المقصود في القرآن الكريم. ولعل آخر ما يرغب المرء منّا أن يطلّع عليه وأن يدركه هو حقيقة نفسه، أو ذاته الداخلية. فهو يُخفي حقيقة نفسه عن غيره من البشر وحتى عن نفسه. ولعله لو اطلّع على مكنوناته لأزعجه ذلك كثيراً، الأمر الذي قد يفسر سرّ هذا الإخفاء.وليس التقابل بين عالَم النفس الإنسانية والعالَم الأكبر مجرد مصادفة، بل حقيقة مقصودة، فما يكشفه لنا العالَم الأكبر من أدلة وبراهين يكشفه لنا عالَم النفس. ففي الإنسان تتمثل مقومات العالَم المشهود. وعليه، فإذا تمكن الإنسان من إدراك نفسه، تمكن من إدراك العالَم من حوله ومن فوقه ومن تحته، ووجد نفسه دليلاً على الخالق المبدع، ودليلاً على قدرته المعجزة وتدبيره الحكيم.