يزخر التراث العلمي العربي بالمنجزات الكثيرة والتي كان له الدور المؤثر في مسيرة الفكر العالمي وإنجازات الحضارة الإنسانية التي شملت الميادين الحياتية المختلفة، وما المالية العامة إلاّ وجهاً من أوجه التفاعل الإنساني في المجتمعات المتطورة، ذلك لأنها بالأساس قد شهدت تنظيماً دقيقاً وصل بالمجتمع إلى مرحلة الدولة، وهذه المرحلة ليست اعتباطية أو عفوية بقدر ما هي مرحلة وشوط من أشواط التطور الإنساني والسياسي التي تقطعها الإنسانية في مراحل تقدمها المتواصلة. لقد قررت الباحثة الولوج في درب البحث العلمي في اتجاه التراث العلمي، مستخدمة اختصاصها كجواز سفر علمي يتيح لها الدراسة والبحث والتقصي، والقصد من وراء ذلك هو خدمة التراث العربي الإسلامي من زاوية الاختصاص العام والدقيق معاً، وكان أن أتاح معهد التاريخ العربي للباحثين هذه الفرصة وهو أمر فسح المجال للباحثة ولغيرها من الزملاء في الانخراط في صفوف الدراسة لتحقيق المبدأ المنشود أعلاه. وانحصر الاهتمام الأساس في دور الاقتصاد الإسلامي في التطور الفكري العالمي، ثم تحدد في جانب معين من ذلك وهو جانب اقتصاديات المالية العامة، فكان من خلال متابعة الباحثة لكتابات الزملاء من رواد ومؤسسي مدرسة بغداد للفكر الاقتصادي الإسلامي بريادة الأستاذ الدكتور فاضل الحسب لها، لذا فكان أن أرادت الباحثة خدمة هذه الأفكار الرصينة بطريقة لم يبحثها أحد منهم، منها الجمع بين دراسة التاريخ والاقتصاد في منهج -سيأتي شرحه فيما بعد-، ولقد واجهت الباحثة مشاكل في المصادر واختيارها، وبذلت جهداً ذاتياً في الاتصال والمكاتبة والذي لولاه لما استطاعت الاستعانة بهذه المصادر، كما أن فيض المعلومات وغزارتها وسعة الموضوع والكم الهائل المعلوماتي لموضوع ليس باليسير البحث فيه، ومع كل ذلك فإن الباحثة لا تعتقد أنها أوفت الموضوع حقه، فهو يتسع لكل إضافة ومعلومة.