إن البحث في شخصية القاضي النعمان وجهوده، هو البحث في عمق العقيدة الإسماعيلية في الدور المغربي، وهو دور الظهور، حيث انتقلت خلاله التعاليم والنظريات من الجانب النظري إلى الميدان العملي في مرحلة انتقالية –أي بين فترة السر والكتمان، وبين فترة الظهور- كان الصراع فيها مريرًا وشديدًا ودمويًّا على المستويين الفكري والعسكري، وهو ما عاشه النعمان منذ طفولته، حيث كان كل فريق يجهد نفسه للانتصار لمذهبه وعقيدته، ويعمل على إضعاف الآخر، مستخدمًا ما أتيح له من الوسائل، وما تيسر له من الطرق؛ من ذلك: التشنيع عليه، وتشويه جهوده وطمسها، وهي أولى الصعوبات وأهمها التي تعترض طريق الباحث، حيث تندر المادة المصدرية، لا سيما وأن ما وصلنا من المصادر كان لأهل السنة الذين أطاحوا بخصمهم العنيد الإسماعيلية الفاطمية على المستويات: الفكرية، والعقدية، والاجتماعية، بإحداث القطيعة السياسية والمذهبية بصورة نهائية، في نهاية النصف الأول من القرن الخامس الهجري.ولقد اتبع المؤلف في دارسته لشخصية القاضي النعمان المنهج التحليلي المقارن؛ لتبيان مراحل حياتها وعطائها الفكري، بالاعتماد أولًا على ما صنفه النعمان نفسه، وثانيًا على ما أوردته المصادر والمراجع عنه، مع اللجوء إلى الاستقراء والاستنتاج والنقد، وذلك في ظل ندرة المادة العلمية، والخبر التاريخي الصحيح الموثَّق، والبعيد عن الغلو، وأيضًا اتبع المنهج الوصفي، لا سيما في تقديمه ودراسته لآثار النعمان، بالرجوع إلى الأخبار التاريخية المتناثرة، والموزعة في بطون المصادر والمراجع.وسيلقي المؤلف من خلال هذه الدراسة الضوء على ثلاثة جوانب حضارية مهمة في العصر الفاطمي:الأول: يخص تطور النظرة العقدية المشبعة بالفلسفة وعلم الكلام.الثاني: يتتبع حركة التشريع الإسلامي عمومًا، والتشريع الإسماعيلي خصوصًا في بلاد المغرب.الثالث: يدرس الحركة التاريخية التي تشمل تطور المجتمع في شتى مناحي الحياة: السياسية، والاجتماعية، والعلمية، والفكرية.