نحنُ الذين نلتقطُ الكلمات من الشفاه المطبقة .... نحنُ الذين نستطيعُ أن نُفَنِّدُ الأوراق ونلتقطُ من بين طياتها الكلمات التى لا يُمكن أن يُبَاحُ بحياتها السرية إلى أحد . نحنُ الذين نتوغَّلُ إلى تلك النصوص الواقفة على ضفاف الألم .... نحنُ قراء الكتابة المستحيلة .... نحن الذين قد رحلنا داخل ذلك الفراغ من استراق السمعِ .... نحن الراحلون داخل مجاهل المجهول الذى لا نكفُ عن اكتشاف مجاهله الأكثر توغلاً داخل اللانهائى .... نحنُ الذين نتوغلُ الآن داخل هذه النصوص ونقف على ضفافها ، فما الذى اكتشفناه ...؟

على تلك الضفاف من ذُورىٰ الألم ... فوق تلك الحافة الخطِرة الـمُرهَفة كحَدِّ شفرة تُمزق كاتبًا ما . فوق هذه الضفاف التى يُفَضِّلُ فيها الإنسان الموت على عيش حياة بِشَكٍّ مُطلقٍ بكل شىء ، على مثل هذه الضفاف يهرعُ المرء إلى غرفته السرية : يُغلقُ النوافذ ، يُسْدِلُ كل الستائر ، ويقتل نفسه . تبقَى الستائر مُسْدَلةٌ والجسد المتجمد مَلْقِيًّا على الأرض فى غرفة مُعتمة يكتنفها السر دون أن تترك الجثة كلمة واحدة تُوضِّحُ فيها سبب غيابها الأبدى .... لكننا وجدنا إن الجسد الـمُتَيَبِّس قد ترك فى مكانٍ معتم من الغرفة ، مخطوطًا لا يمكن أن نَسْتَرِقُ إليه السمع ، لكن هذا المخطوط هو الذى استرق السمع لهدير واقع خارجى مدجج بالزيف والعبث والجنون ، ووجدنا هذا المخطوط قد شيَّد سرد حياته السرية عملاً روائيًّا . داخل هذا الحد الـمُرهف وفوق هذا الخط الرفيع القابل للانقطاع فى كل لحظة ، والـمُهدد بسقوطنا داخل هوة من الفراغ ، اقتفينا دلائل السير فى هذا الكتاب لاختيار روايات منفردة كَتبَتْ نفسَها بنفسها من قِبَل كاتب يبحث فى تمزقه الخاص عن بديلاً للجنون أو الانتحار ، فاختار كتابة نص يحرره من فكرة النهاية بضربة إبداعية نادرة .

مئات الروايات تصدر فى فرنسا وحدها كل أربعة وعشرين ساعة : رواية فى اليوم الواحد وآلاف غيرها فى أوربا والولايات المتحدة . فكيف تم اختيارنا لرواية تمثل النموذج المستحيل من فيض روائى ضخم ؟ الجواب : الكتابة التى تقف على ضفاف الإبداع المستحيل هى تلك التى تمسك بعناصر ثلاثة لا غير : 1 - قوة التقنية المتراصة . 2 - لغة شعرية متفجرة تنبثق عن ثقافة روائى واسع المعرفية فى مجالها الأدبى الفلسفى . 3 - معاناة شخصية عميقة للكاتب تنبعُ عن تجربته الحياتية الخاصة التى تُسْقِطُ عليها منظوره الفلسفى الثاقب لأحداث تتدفق بشكل شعرى . فالنص الروائى المستحيل هو الذى يخاطب كل ذات فردية فى العالم . هذا النص هو الذى نبحثُ عنه هنا ، إنه الصوت الذى نجرى خلفه لاهثين ، إنه صـوت الصمت الذى لا يُمكن أن يُقال ، أنهُ : الكلمة المستحيلة .