هذا الكتاب بعنوان "‏رحلة ابن فضلان والتواصل الحضاري والثقافي : ‏مع نص الرحلة" يُقدّم دراسة معمّقة لرحلة الرحالة العربي أحمد بن فضلان التي قام بها في أوائل القرن العاشر الميلادي من بغداد إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة، ويُبرز دور هذه الرحلة في التواصل الحضاري والثقافي بين العالم الإسلامي والشعوب الأخرى. يبدأ الكتاب بتسليط الضوء على أدب الرحلة العربي كنوع أدبي يدمج بين السرد التاريخي والجغرافي والتوثيق الاجتماعي، موضحًا أن الرحالة العرب لم يكونوا مجرد مسافرين، بل كانوا مؤرخين ومراقبين للثقافات والأعراف الاجتماعية والسياسية.

ثم يتناول الكتاب الجانب السياسي والاجتماعي للرحلة، موضحًا أن إرسال ابن فضلان كان بمثابة سفارة ثقافية رسمية من الخليفة العباسي المقتدر بالله لتعزيز التواصل مع الشعوب البعيدة، كما يُبين تأثير الظروف السياسية والاجتماعية في بغداد على صياغة هذه المهمة. يُحلّل المؤلف كيف أن الرحلة كانت فرصة لتسجيل التنوع الثقافي والاجتماعي للشعوب غير المسلمة، مع التركيز على وصف الأنظمة السياسية، العادات والتقاليد، والأعراف الاجتماعية لكل منطقة زارها ابن فضلان.

ويُخصص الكتاب جزءًا مهمًا لمشاهدات ابن فضلان في بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة، من بينها: آداب الموائد، الزواج، دور المرأة، طقوس المرض والوفاة، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، موضحًا كيف أن هذه المشاهدات تكشف عن الاختلافات والتماثلات بين الثقافات، وتُظهر مدى تفاعل الشعوب مع بعضها وتبادلها للمعارف والتجارب.

كما يُحلل الكتاب النص الأدبي للرحلة، مع التركيز على أسلوب ابن فضلان في السرد والوصف، وبيان الخصائص البلاغية والفنية التي تجعل من النص ليس مجرد وثيقة تاريخية، بل عملًا أدبيًا متكاملًا يعكس رؤية الرحالة للعالم وملاحظاته الدقيقة. يبرز الكتاب كيف أن النص يوثق التواصل الحضاري والثقافي ويُظهر التفاعل بين الحضارة الإسلامية والشعوب الأخرى، مما يجعله مصدرًا قيّمًا لدراسة التاريخ الاجتماعي والثقافي.

في ختام الكتاب، يؤكد المؤلف أن رحلة ابن فضلان تمثل نموذجًا للتفاعل بين الثقافات، وأن دراسة هذا النص تساعد على فهم آليات التواصل الحضاري والثقافي في العصور الوسطى، بالإضافة إلى تقديم قراءة نقدية تعكس أهمية الرحلة ليس فقط كسرد تاريخي، بل كوثيقة أدبية وإنسانية تعكس تجارب متعددة الأبعاد بين الثقافات المختلفة.