هذا الكتاب بعنوان "تطور مسألة المعرفة في الفكر العربي الإسلامي" يقدّم دراسة شاملة حول تطور مفهوم المعرفة في الفكر العربي الإسلامي، مركّزًا على التحولات التي طرأت على أساليب اكتساب المعرفة ومناهج التفكير منذ بدايات الحضارة الإسلامية وحتى مطلع العصر الحديث. يبدأ المؤلف بتحليل المعرفة الإيمانية التقليدية، التي تعتمد على التسليم للنصوص الدينية والاعتماد على النقل والاعتقاد دون نقد أو تحليل، موضحًا كيف كانت هذه المرحلة تمثل قاعدة أساسية لفهم العالم والعلاقة بين الإنسان والله.

ثم ينتقل الكتاب إلى المعرفة العقلية، والتي ارتبطت بالمعتزلة والفلاسفة المسلمين، حيث ارتفع من شأن العقل كأداة لاستنباط الأحكام وفهم الحقائق. يوضح المدادحة كيف أدى هذا التحول إلى تأصيل استخدام المنطق والدليل العقلي في التفكير الإسلامي، وإلى بروز نقاشات فلسفية حول موضوعات مثل وجود الله، حرية الإرادة، والأخلاق، مع الحفاظ على القيم الدينية الأساسية.

بعد ذلك، يستعرض الكتاب المعرفة الفلسفية والفكرية، التي حاولت تجاوز حصر المعرفة باللاهوت التقليدي، وربطها بالخبرة الإنسانية والعقلانية العامة، ما سمح بفتح أفق أوسع للتفكير في القوانين الطبيعية والاجتماعية. كما يوضح الكتاب تأثير الصوفية والفكر الروحي، الذين أضافوا بعدًا داخليًا ومعرفيًا قائمًا على التجربة الباطنية والملاحظة الذاتية، مع التركيز على معرفة النفس وتحقيق الكمال الروحي.

يتناول الكتاب أيضًا المعرفة التجريبية والحسية، حيث بدأت التجربة والملاحظة العملية تلعب دورًا في التحقق من المعلومات والحقائق، خاصة في العلوم الطبية والفلكية والرياضية، ما شكّل قاعدة للانتقال من المعرفة النظرية إلى التطبيق العملي. كما يركز على الانتقال بين أنواع المعرفة وكيف أن الفكر العربي الإسلامي حاول الجمع بين التسليم والعقل والتجربة في بناء نظام معرفي متكامل ومتوازن.

في النهاية، يبرز المدادحة أن تطور مسألة المعرفة في الفكر العربي الإسلامي يعكس صراعًا مستمرًا بين النقل والعقل، بين التقليد والابتكار، بين الروحانية والتجريبية، ما جعله تجربة غنية وأساسية لفهم تطور الفكر العربي والإسلامي عبر العصور. ويؤكد الكتاب أن دراسة هذا التطور تساعد على استيعاب أسس الفكر العربي الإسلامي وفهم آليات تفاعله مع التحديات المعرفية والفلسفية عبر الزمن، كما يسلط الضوء على الدروس المستفادة لتطوير منهجيات المعرفة في العصر الحديث.