هذا كتاب بعنوان "الأدب والمجتمع" يصحبنا المؤلف في جولة بين مختلف العهود والمدارس، وجعل همه أن يلم بالمعالم الكبرى، إلمام السائح الذي لا يتسع وقته للوقوف طويلاً، لتعمق الفهم والدرس، ولكن أثره الذي لاشك فيه هو أن يكتسب القارئ - من جديد- إيماناً بأن الأديب إنما هو في القمة من القيم التي تغذي روح الإنسان وعقله، وأن يشعر أنه لو حرمه فسيكون فقيراً أشد الفقر. وهو باستعراضه الجميل للماضي، يفتح الباب للتفكير في مستقبل الأدب، في هذه اللحظات الحرجة، التي يهجم عليه العلم فيها هجوم جار مقتدر. ولا مفر من أن يجد الأدب لنفسه أسلوباً جديداً، وأن يدافع عن الصورة الجديدة التي تكشفت لقدر الإنسان ورسالته. فالأدب باق، بقدر ما الإنسان باق، لأنه ظله الذي لن يفارقه أبداً.

وفي هذا الكتاب، نحاول أن نوضح هذه الحقيقة، وهي أن الأدب هو للحياة أولا، وهو تعبير عن "إنسان" يعيش في "مجتمع" يؤثر فيه ويتأثر به، أداته لغة ذلك المجتمع. لا يستطيع أن يحيد عنها أو يتخذ لها بديلاً، وغايته

الصدق وإبراز الحقيقة فيها يختار التعبير عنه في ميدانه الخاص، ووسيلته القالب الذي يختاره من أجل التعبير عن المضمون. الأديب إذن، يتأثر بمجتمعه؛ ويؤثر فيه. يتأثر هو بالبيئة الطبيعية، وبالأحوال الاقتصادية.. والسياسية، وغيرها. ويتأثر أدبه بما يتأثر هو به، وبما يدرسه أو يطالعه من فنون وعلوم. وهو يؤثر في المجتمع بآرائه واتجاهاته

وميوله، وبما وهب له من قدرة على استشراف عالم أفضل، أو دعوة إلى حياة تسودها الحرية والأمن والرخاء. هذا هو الأديب، ندرسه كانسان، وندرسه (كفنان). ندرس نشأته وانطباعاته، وندرس نواحي العبقرية والنبوغ فيه، ثم ندرس التيارات أو المذاهب الأدبية على تنوعها، باعتبارها صوراً ومرايا لعصورها ومجتمعاتها. وفي خلال ذلك كله، نقدم الأمثلة العملية من حياة الأدباء، وأوضاع المجتمعات؛ ندلل بها على صدق ما نعرض. وهو أن الأدب حاجة اجتماعية، تصدر عن أناس اجتماعيين: وهو عندنا كوجهي العملة المعدنية، على وجه منها صورة الأديب، وعلى الوجه الآخر صورة بارزة للمجتمع. ونحن لا نفرق في العملة بين الوجهين فكلاهما حقيقة واحدة لشيء واحد هو الأدب.