في قلب الكويت القديمة، حيث الأزقة الطينية والسور العظيم الذي يحتضن المدينة، تشتعل شرارة الحكاية في «سِفر العباءة» الجزء الأول من ثلاثية «أسفار مدينة الطين». هنا، في عالم تتداخل فيه الأسطورة بالحقيقة، والخرافة بالواقع، نتابع رحلة شخصيات تبحث عن هويتها في مجتمع محافظ، حيث التقاليد تُرسم كأقدار محتومة. ينسج سعود السنعوسي سردًا آسرًا يلتقط نبض المدينة في أوائل القرن العشرين، حيث الحياة مقيدة بقوانين غير مكتوبة، والخروج عنها قد يعني مواجهة المجهول تتشابك مصائر الشخصيات ضمن نسيج محكم من العلاقات الإنسانية، حيث تتصارع الرغبات المكبوتة مع التقاليد الصارمة، وتتجلى أصوات الأفراد الهامشيين الذين لا يُسمَع لهم إلا في الظلال. كما يُغرق النص القارئ في تفاصيل الحياة اليومية، من عبق الطين إلى صوت الأمواج التي تحمل همسات البحّارة. وتتقاطع مصائر البطل مع شخصيات معقدة، لكل منها جرح خفي أو حلم مؤجل. تتسع الحكاية لتشمل الأحداث الكبرى التي رسمت ملامح الكويت آنذاك، لكن ما يشدّ القارئ هو البعد النفسي للشخصيات، حيث تتكسر الأرواح أمام ثقل الواجب والخوف من المجهول ولكن، كما هو الحال في كل حكاية عظيمة، لا تسير الأمور كما يُراد لها. يتصاعد التوتر حين تبدأ الشخصيات بمساءلة القواعد التي لطالما خضعت لها، وتتكشف طبقات من الصراعات الاجتماعية والثقافية التي تُعيد تشكيل ملامحهم، بل وربما ملامح المدينة ذاتها. عبر مشاهد مكثفة تنبض بالحياة، تتجسد المعتقدات والعادات في تفاصيل يومية، حيث يتجلى الصراع الأزلي بين الإنسان والقيود المفروضة عليه، بين الحب والخطيئة، وبين ما يُقال علنًا وما يُحكى في السر بين دفتي «سِفر العباءة»، تتوالى الأحداث التي تتنقل بين الكويت وجزيرة فيلكا والجهراء، مع إبراز المحطات التاريخية التي شكلت ملامح البلاد. ويبرع السنعوسي في رسم المشاهد بتفاصيلها الدقيقة، مستحضرًا أصوات الأزقة وصخب الأسواق وهمس السراديب، ليخلق تجربة سردية تنبض بالحياة، وتدعو المُستمع إلى الغوص في أعماق زمنٍ لم يعد كما كان استمع الآن