لقد وضع الإنسان منذ نشأته مشكلة البحث في أصل الأشياء وتكوينها، من أجل اكتشاف وظيفتها وغرضها الحميم. والطريقة المتبعة عالميًا هي تقسيم الأشياء إلى أجزاء أصغر فأصغر ثم تحليلها باستخدام كل الطرق الممكنة، بدءًا من التحقيق البصري إلى التفاعلات الكيميائية. ولا يزال هذا هو الحال حتى اليوم. فالعالم الذي يريد، على سبيل المثال، معرفة شكل مكعب من الجرانيت يقوم بتفكيكه إلى أجزاء أصغر فأصغر حتى يتم تقسيمه إلى ذراته المنفردة. ولكن إذا أراد، بعد أن وصل إلى المستوى الذري، أن يتعمق في البحث إلى مستوى الجسيمات دون الذرية المنفردة، سيفاجأ بأن مكعب الجرانيت يتصرف مثل مكعبات الثلج: سيلاحظ أن المادة تسيل وتتبخر وتختفي بين أصابعه وتتحول إلى طاقة مهتزة، وأن الجسيمات المنفردة تتحول إلى موجات طافية لا جسمانية لها.

على المستوى دون الذري، لا تعود المادة مادة، بل تصبح شيئًا آخر؛ فالجسيمات تخدعنا بإظهار نفسها كجسيمات عندما نلاحظها، وتتصرف كالموجات عندما لا نلاحظها. فالذرات مصنوعة عمليًا من الفراغ، وما يبدو لنا أننا قادرون على لمسه ووزنه والتلاعب به على مستوانا الحساس، يصبح في تكوينه الداخلي تموجًا من الفراغ، طاقة، معلومات، موجة، ذبذبة، كل شيء إلا المادة لم يعد مادة.

عند هذه النقطة، لم يعد بإمكاننا التحدث عن حقيقة واحدة: اعتمادًا على مستويات الملاحظة، من الصغير للغاية إلى الكبير بلا حدود، هناك عدة مستويات، كلها مختلفة ولكن جميعها حقيقة مطلقة. أو ربما هناك العديد من جوانب الحقيقة العليا، غير معروفة حتى الآن. لطالما افترضت جميع الفلسفات والأديان "منطقة الروح" التي تتجاوز المادة، وأعلنت عنها؛ لكن لم يتمكن أحد من تقديم دليل على وجودها.

واليوم، تفتح فيزياء الكم، بعد تجاربها الناجحة التي تؤكد ظاهرة التشابك، نافذة كبيرة على آفاق لم يكن من الممكن تخيلها حتى القرن الماضي. لقد عرفنا أخيرًا أن هناك مستويات من الواقع لم تعد خاضعة لقيود الفيزياء النيوتونية، وهي مستويات تتولى فيها الطاقة والمعلومات السيطرة على المادة. هذا هو المستوى غير المحلي، أو الكون الضمني أو حتى الكون الهولوغرافي لديفيد بوم وكارل بريبرام. في هذا المستوى، يظهر ذكاء كوني يتفاعل مع البشرية. وهو يفعل ذلك أيضًا من خلال التزامن الذي نظّر له كارل يونغ، ويوجهنا في مشروع تطوري ثقافي بدأنا للتو في إدراكه.