كانت الحروب وما زالت تشكل إحدى أخطر المشاكل التي تواجه المجتمع الدولي؛ لما ينجم عنها من خسائر بشرية وأضرار اقتصادية ودمار في البنية التحتية لتلك الدول، وإذا كانت الأضرار التي تنتج عن النزاعات المسلحة بين الدول تقتصر غالبا على الجيوش المتحاربة، فإن الأضرار الناتجة عن النزاعات المسلحة غير الدولية تكون أخطر وأوسع نطاقا، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية فإن أغلب النزاعات المسلحة كانت نزاعات مسلحة داخلية ساعدت على اندلاعها وأثرت فيها أجواء الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي بين القوى العظمى آنذاك، وجاءت نهاية الحرب الباردة لتشهد ارتفاعا ملحوظا في عدد النزاعات المسلحة غير الدولية وشهد العالم أعنف تلك النزاعات في رواندا وكوسوفو وأماكن أخرى كثيرة راح ضحيتها ملايين من المدنيين الأبرياء فضلا عن الترحيل القسري للسكان وتدمير البنية التحتية في مناطق النزاع، كما أنها أدت في حالات عدة إلى انهيار كامل للدولة الأمر الذي نتج عنه انتشار للجرائم الدولية كتجارة المخدرات وازدياد نشاط المنظمات الإرهابية الدولية، وقد أثار اندلاع أغلب النزاعات المسلحة الداخلية في الدول النامية العديد من التساؤلات بين الأوساط الأكاديمية حول العوامل التي تقف وراء اندلاع تلك الصراعات، وما هي الأسباب التي تؤدي إلى تجددها، وتتفق أغلب تلك الأوساط على أن تلك الدول تحتاج إلى عملية تنمية شاملة تضم الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية كافة من أجل معالجة الأسباب الجذرية للنزاع بما يساهم في منع تجدد النزاع في المستقبل، وعلى ضوء ذلك تأتي هذه الدراسة بعنوان (دور المنظمات الدولية في تنمية مناطق ما بعد النزاع) للبحث في كيفية تحقيق التنمية في أوضاع ما بعد النزاع من خلال تحديد الأولويات والمعوقات وكذلك البحث في دور منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها والآليات المعتمدة من قبلها في تحقيق التنمية في مناطق ما بعد النزاع.