تميز النثر في العصر العباسي بأهمية بالغة؛ ذلك أنه امتلك من التنوع في المضامين، وحسن السبك، وجودة العبارة، ما جعله يتبوأ مكانة نافس فيها الشعر، فأخذ يتشكل فنا خالصا له مقوماته وأدواته الخاصة، مصورا الحياة بكل تناقضاتها، وكان الوسيلة الأنجح في التعبير عما يختلج نوازع الأدباء المتباينة؛ ونظرا لطبيعة النثر المتحررة من القيود المفروضة على الشعر، شاع هذا النثر بين طبقات وفئات اجتماعية كثيرة، لكن هذا الشيوع لم يكن بذات الدرجة من البلاغة والفصاحة والقيمة الأدبية، والأطباء - كغيرهم من أبناء المجتمع العباسي - استثمروا طبيعة النثر المرنة، وتمكنوا من تطويع أعناق النصوص من خلال توظيف أفكارهم، والمعاني التي تدور في خلدهم، وغالبا ما تكون طبيعة النثر هي الأمثل لحمل تلك الأفكار والتعبير عنها، ولقد ظهرت فئة من الأطباء غير المسلمين – وهم كثر- ممن تأثروا بالدين الإسلامي؛ لذا نجد نماذج نثرية لدى هؤلاء تحمل تلك النزعة، وتنطلق منها في البحث عن الذات وتفسير الوجود ساهم نثر الأطباء في العصر العباسي بالكشف عن التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية التي عملت على إنضاج العقول، وحرية التعبير، فتطورت أساليب الكتابة الفنية؛ فتميزت بالعمق والاتساع، وارتفع شأن الأطباء الأدباء الذين تفننوا في التجويد والتأنق على مستوى الشكل والمضمون، فارتقت أساليب التعبير، وأصبحت النتاجات النثرية في أغلبها نفائس ثمينة حاملة للرؤى والأفكار.