وضعت الحرب الباردة النظام الدولي أمام مسارات التحول إلى القرية الكونيـة، وهـو مـا شـكل نموذجا لتغيير استراتيجي كبير تتجسد أكبر معالمه في نهاية عالم تمركز الدولة والحـدود الثابتـة وأصـبح التوجه نحو العولمة في نمو مضطرد تميز بإزالـة الحـواجز التجاريـة تـدريجيا في ظـل الاتفاقيـة العامـة للتعرفة والتجارة "الجات" ثم منظمة التجارة العالمية وإيجـاد فضـاءات واسـعة للتبـادل الحـر تسـهل حركة اشخاص النظام الدولي فضلا عن ظهور تكنولوجيا جديدة للمعلومـات تسـمح بعولمـة التواصـل وتبادل الأفكار، إن هذه الأفكار التي حددت بنية النظام الدولي صاحبتها ظهور ظـاهرة عكسـية لا تقـل أهميـة تتمثل في تقسيم العالم إلى أقاليم لاسيما مـع ظهـور الإقليميـة التـي أخـذت تـدعو إلى إقامـة تكـتلات اقتصادية كبرى تضم دول فاعلة في النظام الدولي تمتلك من القدرات الاقتصـادية والاسـتراتيجية التـي تجعل من التكتلات قادرة على الاستمرار، إن هذا الأمر رتـب تـداعيات جيوسـتراتيجية وجيوبوليتيكيـة مهمة على النظام الدولي وبنائه الهرمي ولاسيما أن هذه الظاهرة أدت إلى تكريس عامل التشـبيك أو الاعتمادية المتبادلة في العلاقات الدولية نتيجة لتراجع أهمية العامـل الجغـرافي حيـث صـار يـتم بنـاء الترتيبات الإقليمية، التكتلات على أساس معيار المصلحة الحيويـة المشـتركة أي أن الترتيـب الإقليمـي أصبح يضم دولا غير مترابطة جغرافيا، وعلى ضوء ذلك جاء هذا الكتاب بالشرح والتوضيح في أحد عشر فصلا متناولا القوة الابتكارية في الإستراتيجيات الشاملة للولايات المتحدة الأمريكية وأثرها في الأمن الدولي.