يعدُّ التحكيم من الوسائل المهمة في تسوية منازعات عقود التجارة الدولية، وذلك بالنظر لسهولة وسرعة إجراءاته، وهذا يؤدي في آخر المطاف إلى تقليل نفقاته، ولذلك أصبح من المستقر عليه لجوء المتعاملين في حقل التجارة الدولية إلى التحكيم التجاري الدولي لتسوية منازعاتهم بدلاً من اللجوء إلى القضاء العادي، ونتيجة للتطور الحاصل في مجال المعلومات وظهور الشبكة العالمية للانترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة التي ساعدت على المتعاملين في إطار التجارة الدولية على الاتصال وتقديم الخدمات وانجاز كافة العقود التجارية دون الانتظار لوقت طويل، وتحمل تكاليف السفر، فقد ظهر نوع جديد من التعاملات الإلكترونية وهو ما اصطلح على تسميته بالتجارة الإلكترونية، وبازدياد حجم العقود التجارية التي يتم إبرامها عن طريق الوسائل الإلكترونية فإن المنازعات أضحت امراً واقعاً، ومن ثَمَّ من غير الملاءم اللجوء إلى الوسائل التقليدية التي تعنى بتسوية المنازعات، إذ اتجه التفكير بالبحث عن وسيلة ملائمة وسريعة لتسوية منازعات عقود التجارة الإلكترونية تلائم الوسط الإلكتروني الذي تتم عبره هذه العقود، وتكون بالوسيلة نفسها التي يتم فيها إبرام عقود التجارة الإلكترونية وتنفيذها، بعيداً عن القضاء العادي الذي يتميز بطول إجراءاته وتعقيدها وعجزه عن اللحاق بالتطور التكنولوجي، لذا بات منطقياً اللجوء إلى التحكيم باستخدام الوسائل الإلكترونية لينسجم مع خصوصية التعامل الإلكتروني، وهكذا ظهر "التحكيم الإلكتروني" بصورة جديدة ومطورة عن التحكيم بشكله التقليدي الذي ينسجم مع خصوصية التعامل والنزاع في البيئة الإلكترونية.ولقد اهتمت الهيئات والمنظمات الدولية بتنظيم إجراءات التحكيم الإلكتروني عبر الوسائل الإلكترونية وذلك لأهميته في تسوية منازعات عقود التجارة الإلكترونية، ومنها المنظمة العالمية للملكية الفكرية "الويبو" وهي احدى المنظمات التابعة للامم المتحدة والتي تعنى بتسوية المنازعات إلكترونياً، كذلك نظام المحكمة الإلكترونية الذي أنشأ في كلية الحقوق بجامعة مونتريال بكندا، ومشروع القاضي الافتراضي الذي اسس عام 1994 في أمريكا، ومن المؤسسات المهمة الذي تتبع التحكيم الإلكتروني في تسوية منازعات التجارة الإلكترونية، الجمعية الأمريكية للتحكيم، وغرفة التجارة الدولية بباريس، يضاف إلى ذلك قيام العديد من الدول ومنها العراق بتشريع قوانين المعاملات الإلكترونية التي تنظم عمل البيئة الإلكترونية، وبهذا يفرض الواقع العملي قضية مفادها إن التحكيم الإلكتروني أصبح حقيقة واقعة في العالم الذي يرغب في العمل الجاد لغرض تطويع واستخدام التقنيات الحديثة بما يتلاءم والحاجة الفعلية لها. ويتميز التحكيم الإلكتروني فضلاً عن المزايا التي يتمتع بها التحكيم التقليدي؛ بسهولة وسرعة إجراءاته، فإنه يتميز بقلة نفقاته، وذلك نتيجة الوسط الإلكتروني الذي يتم من خلاله، إذ لايتطلب الحضور المادي للأطراف المتخاصمة أو المحكمين، وكذلك يتجاوز مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق الذي يخضع لقانون الارادة بوصف ذلك أصلاً عاماً، كذلك يتميز التحكيم الإلكتروني بسرية إجراءاته نتيجة تشفير الموقع الخاص بالقضية وإعطاء رقم سري يُسمح فقط فيه للأطراف المتنازعة والمحكمين الدخول اليه، علاوة على ذلك فإن التحكيم الإلكتروني يتميز بسرعة إصدار قراراته، لسهولة إجراءاته إذ يتم تقديم المستندات والأوراق بالبريد الإلكتروني ويمكن الاتصال المباشر بالخبراء أو تبادل الحديث معهم عبر الشبكة الدولية، كذلك إن مراكز التسوية الإلكترونية أوجدت لنفسها آليات جديدة لتنفيذ قراراتها بعيداً عن القضاء العادي. ولأهمية التحكيم الإلكتروني في تسوية منازعات عقود التجارة الإلكترونية، إلى جانب بقاء الإجراءات التقليدية للتحكيم مع عدم وجود قواعد قانونية تنظم إجراءات التحكيم الإلكتروني لأغلب الدول ؛ فضلاً عن عدم وجود قانون خاص ينظم احكام التحكيم التقليدي في العراق، فإن التساؤل الذي يُثار: كيف يمكن للتحكيم الإلكتروني أن يؤدي دوره في تسوية منازعات عقود التجارة الإلكترونية في ظل إجراءات التحكيم التقليدية؟ فهل يكون ذلك من خلال إيجاد قواعد جديدة، أم من خلال تطويع القواعد القانونية للتحكيم التقليدي والمعاملات الإلكترونية بما يتلاءم مع التحكيم الإلكتروني ؟ ونتيجة لما تقدم آثرنا البحث في هذا الموضوع (التحكيم الإلكتروني في عقود التجارة الإلكترونية - دراسة مقارنة)، لأن هذا الموضوع استوى بحسب ماتقدم قضية تستحق العرض والوقوف عندها.