Sign up to save your library
With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.
Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

Search for a digital library with this title
Title found at these libraries:
Library Name | Distance |
---|---|
Loading... |
وحده الخيال، يستطيع أنْ يحرّر عقولنا من أغوارها السحيقة، ورواية "بعد صراع طويل مع الخيال" هي انتصار إبداعي لرؤيا غنية بالخيال؛ تمزج بين حدَّيها الواقعي والمتخيَّل، فكيف استطاع الروائي راني محمد عمايري المزج بين هذين الحدّين، تبعاً لطبيعة الأنساق التعبيرية في هذا المتن الروائي المميز؟ يبدأ النص بتحذير من رأفت عثمان؛ "بطل هذه الرواية" وخطابه القولي الموجّه إلى قارئ محتمل بـأنّ كل ما يراه ليس حقيقياً، وكل ما يلمسه ليس موجوداً، فالعقل قد يخونك أحيانا، لذا عليك أن تعيش حياتك في شك دائم، ولا تثق حتى بعقلك! فهل يعني هذا أنّ عقل بطل هذه الرواية خانه وصوَّر له حياة أخرى يتمناها بعيداً عن عالمه الواقعي؟ تُقارب الرواية حياة رجل يعيش حياة مزدوجة، واحدة "حقيقية" ضاغطة يحضر فيها الكثير من القيود الصارمة وإكراهات المجتمع وأعباء الحياة وقصة حبّ لم تكتمل. وأخرى "خيالية" تتّسع لكثير من التذكرات لمراحل الطفولة والمراهقة والشباب والنضج فتتغيّر فيها حيوات؛ وتتحقق في عوالمها أحلام وطموحات؛ قبل أن تنتهي بمفاجآت. فبعد صراع طويل مع الخيال والحب والوسواس هل سيبقى الرجل على الخط الفاصل بين الواقع والخيال، أم سيمنحه عقله فرصة أخرى لحياة حقيقية تُفاجئهُ بما هو أقوى من الخيال؟ في الخطاب الروائي، يتمّ التركيز على عنصر الزمن بعد أن تم تجاهل المكان عمداً، فالروائي يستخدم النسق الزمني المتقطع، حيث يبدأ سرد الحدث من نقطة تأزم درامي قوي وسط المحكي تتشعب مساراته واتجاهاته الزمنية هبوطاً وصعوداً وتوقّفاً وعودة. فنتعرّف في البداية على علاقة البطل بذاته مروراً بشخوص الرواية، لننتهي بوقع هذه العلاقات على حياته. أما الجديد في تقنيات هذه الرواية، ونحسب أنه لم يسبق الروائي إليها أحد، فهو تقديمه اختصارات (نثرية – روائية) بعد نهاية كل وحدة سردية يُمكن اعتبارها بمثابة نقطة توجيهية في ترتيب الأحداث وتواليها داخل النص، وبالعنوان الرئيسي، فهي تعمل على استعادة الأحداث وتكثيفها، وخلق فضاء يوهم القارئ بواقعيتها، كما أنها تشكّل علامات/ بؤر نصية ماكرة ومخاتلة، تتجاوز وظيفتها "تيمة" الرواية لتطول وظائف أخرى تستمد دلالاتها من سياق نسيج النص الروائي كله، لتشكّل في النهاية قيمة مضافة في مضمار السرد الروائي الحديث. من أجواء الرواية نقرأ: "أنا رؤوف عثمان.. أقرُّ وأعترف، وأنا بكامل ما تبقى من قواي العقلية، بأنني إنسان أعيش في الخيال؛ أرسم عالماً لأعيش فيه يشبه كل شيء إلا عالمي الحقيقي، فأرى ما أريد أن أرى، حتى لو كنت أعرف أن ما أراه ليس ما أراه، فقط لأنهم يريدونني أن أرى شيئاً آخر. أعيش في ذلك العالم الخياليّ الجميل كثيراً. والمجنون أكثر. صحيح أن الثواني واللحظات تمر عليّ كأي إنسان آخر على هذه الأرض، لكن ما يحدث داخل رأسي لا يفهمه حتى عقلي.. لأن عقلي مجرّد جسم يخضع لقوانين الفيزياء والمكان والكتلة، أما الخيال والوهم فلا".