يا عزيزي، من سَمِعَ ليس كمن رأى، والأحلام... مهما بالغتْ في التخيُّل، وبلغتْ في الخيال لغة استحضار السحر من أعماق ذاكرة الرواة، فليست أبداً.. بشبيهةٍ للواقع!

أذكر أنني لم أتوجَّه إلى بيتنا بعد عودتي، وإنما أسرعتُ إلى جدي، بلهفةٍ لأن أحكي له شيئاً لا يعرفه، ولا تعرفه حكاياه...

وحكيت له عن البحر العظيم، ومهابة أبديته، وحريته، وجنونه.

حدثته عن غضبه وحنانه، وانطلاقه وثورته.

ووصفته بوله العاشقين!

كنت مبهوراً، مأخوذاً وأنا أخبره: أنني أحببته من النظرة الأولى، من ألف عامٍ لم أعشها إلا في أول لحظةٍ ابتلَّتْ فيها روحي بزرقته!

وكم أدهشني اتساعه، وضخامته!

في الواقع، لا أذكرُ على وجه الدقة، كيف كان وصفي له بين يدي جدي!

لكني لا أنسى أبداً أنني استرسلتُ في وصف شعوري حينها، غائباً عن الوجود في وجود شعوري باللذة والإغواء والرهبة والنشوة وقت ألقيتُ قلبي في حضنه الشاسع، أتابع ببصري أثر أمواجه، وأرسل خاطري إلى مداه اللامنتهي، البعيد في الأبد!

البحر... لحنٌ سرمديٌ، خرافيُّ الشجى.....