حضن الأرض

ebook حضن الأرض

By Loay Alkhuzaei

cover image of حضن الأرض

Sign up to save your library

With an OverDrive account, you can save your favorite libraries for at-a-glance information about availability. Find out more about OverDrive accounts.

   Not today
Libby_app_icon.svg

Find this title in Libby, the library reading app by OverDrive.

app-store-button-en.svg play-store-badge-en.svg
LibbyDevices.png

Search for a digital library with this title

Title found at these libraries:

Loading...

الجزء الرابع

في اليوم التالي كان المهندس أحمد شخص مختلف عندما حضر العمل ، فعندما قابله المهندس صافي مراقب المشروع واتهمه بمحاولة عرقلة عمل المقاول في قلع النخيل تنصل من تلك التهمة بشكل كامل ، و لأن شهود التهمة هم المقاول و عماله و ليس فيهم أي مسئول أو زميل من زملاء أحمد فقد ضعفت التهمة و استطاع أحمد أن يتجاوزها هذه المرة بعد تهديدات المراقب .

أحمد لم يتنصل عن تلك التهمة إلا بعد أن صمم على تغيير خططه العملية المباشرة في مقاومة قلع النخيل (التكتيك)، و ما كان ليغير خططه المباشرة إلا بعد أن غير خطته الكبرى الأساس (الاستراتيجية).

فقد تأثر المهندس أحمد بالفتى و اقتنع بأن العمل الذي يقوم به الفتى هو الصحيح ، ان محاربة الفساد بمواجهة الأشخاص العاملين لدى الحكومة لم يعد يجدي و لا يغير شيء ، لابد من محاربة الأساس لإيجاد تغيير جذري ، لا بد من الإستمرار في التظاهرات الداعية الى اخذ الحقوق الإنسانية، فالشعب إذا استرد حقوقه أدار الأمور بيده ، و إذا أدار أموره بيده فلن يرضى بهذا الفساد و آثاره التي تضر الشعب نفسه و تصب في مصالح المستكبرين المحليين و الإقليميين و الدوليين.

خرج المهندس أحمد من مكتبه و توجه الى قلب غابة النخيل عسى أن يعرف كيف يمكن للبطل الصغير حسن أن ينام ليلاً في تلك البيئة ، فوجد ما يشبه السرير من أغصان النخيل و عليها ورق مقوى ، و ابريق به ماء و آثار بقايا طعام و بعض الرماد ، "آه .. كم يعجز العقل عن تصور واقع هؤلاء المطاردين" ، و بعد تأوهه نظر الى النخيل و قال بصوت معتدل ، "احتضني هذا المجاهد الصغير و دافعي عنه يا أيتها النخلات ، فهو و أمثاله وحدهم الضمان لبقاء بيئتكن الطبيعية" ، كان أحمد يظن انه يطوف و يسافر مع روحه في روعة تسبيح الخالق عندما جر تلك الروح من سبحانيتها الى عالم الواقع صوت أجش فارتعب أحمد للمفاجأة ..

هذا المكان يبدو ان أحد عمال المقاول صنعه لينعم بنومه بعيداً عن أعين المسئولين.

كان ذاك صوت النخلاوي الحاج محمد من فوق النخلة ، فواصل كلامه.

اعذرني يا أستاذ أحمد فقد أرعبتك ، السلام عليكم يا أستاذ ، هؤلاء الشرطة أذهلوني..
ها .. أي شرطة يا حاج محمد؟
لقد جاء عدد من الشرطة فيهم من هو بلباس مدني و من هو بلباس عسكري ، و سألوني عن هذا المكان و السرير الذي كنت تنظر إليه ، فقلت لهم انه لا بد ان يكون لأحد العمال الكسالى ..
و هل صدقوك ؟
ربما ، لكن لا أظن ذلك .. لقد تحيروا كثيراً ، كأنهم يبحثون عن هارب نام هنا البارحة كما يقولون.

أخذ أحمد يتلفت كالذي يبحث عن شيء ليتفادى كارثة ، ثم عاد الى مكتبه و هو يفكر في حسن و يتمنى لو يستطيع أن يتواصل معه ليحذره.

بعد يوم عمل متعب و اتصالات بالمقاولين و بفريق العمل الذي يرأسه المهندس أحمد بشأن تشغيل و صيانة شبكات نظام الري ، و عند اصطفاف العمال لبصمة نهاية الدوام ، كان المهندس أحمد لا زال يفكر في حسن.

الجزء الخامس

كان الولد حسن حريصاً تمام الحرص على ان لا يتم اعتقاله ، لأن الإعتقال يعني التعذيب الرهيب و المهين ، و فقدان التأثير المباشر على الساحة ، و تعطيل التعليم الذي يحاول ان يستمر فيه ، و فوق كل هذا هو معتاد على الحركة و التنقل و لا يستحمل ان يتم حبسه ، حتى انه في وجدانه يظن انه يماثل العصفور المحلي الذي يستحمل الأجواء القاسية و لا يمل من الطيران لكنه يموت اذا تم اصطياده و حبسه .

لذلك حسن لا يبقى في مكان معين لفترة طويلة ، خصوصاً في بيت أبيه المتوفى حيث أمه العجوز تسكن لوحدها و يزورها أخوته من وقت لآخر ، البيت هو أخطر مكان للثوار المطاردين بسبب مراقبته الدائمة من قبل المخابرات ، لذلك هو دائم التنقل ، و اذا اختفى من قريته عالي فأكثر ما يظهر في عاصمة الثورة سترة ليلتقي بالكثير من المطاردين أمثاله .

هو لا يثق بسهولة في الآخرين ، و إن كانوا مطاردين ، لأن المخبر من الممكن ان يكون أي شخص ، حتى لو كان سجين محكوم عليه بالإعدام ، و هنا تكمن قوة المخابرات ، لكن المطاردين أمثال حسن أذكى و أقوى .

هو لا يثق بأي مكان ، لذلك إذا دخل أي مكان فإن أهم شيء يبدأ باستكشافه هو : "كيف أهرب من أيدي شرطة الشغب إذا هجموا على هذا المكان؟"

و إذا عرف بأن المكان ليس فيه مخبأ و لا مهرب فإنه يتجنب الدخول فيه ، و له مغامرات كثيرة جعلت من المخابرات يهلوسون كالمجانين لعدم استطاعتهم تفسير اختفاءه في مكان و ظهوره في مكان...

حضن الأرض